المنطقة الحرة

كيف نجا الفوشيا من قوس قزح؟!

تمتد أصابعي بخفة لتلامس دوائر الضوء التي تتوهج وتخبو حول ابنتي وهي نائمة هكذا أوقظها.. تفتح عينيها ببطء، تقفز، تحتضني، وعيونها تمتلئ فضولًا، وأسئلة.

– ماما.. النهارده العيد؟ مش كده؟

– أيوه كده.

– يعني هنشوف “الفوشيا” النهارده؟

ابتسمت وأنا أومئ برأسي بأنه نعم سوف نراه اليوم.. فأنا أيضًا أنتظره بشغف طفلة.

..

سيخرج الفوشيا اليوم للتنزُه، ومقابلة أقرانه من الألوان.. فهذا هو عيدنا القومي، ففيه نجا الفوشيا من قوس قزح. تتراص المقاعد أمام البحيرة، تأتي الألوان لتوزّع علينا الحلوى، والورد العملاق المليء بالعسل، الذي نزرعه بعد ذلك ليحمينا من الأمطار.

تستيقظ ابنتي، تفتح الصنبور لتغسل وجهها، تبسط كفّيها تحته فيمتلئ موسيقى، فتصبح بعد ذلك برائحة الغناء، بينما أفتح أنا النافذة، وأنتظر الشمس لتصبّ لي الدفء داخل فناجيني التي أتركها على السور وبمجرد أن تمتلئ قهوتي الباردة دفئًا أحتسيها على الفور.

يفتح الجيران -ممن يشربون- القهوة نوافذهم ويصفّوا الفناجين على الأسوار وينتظرون دورهم حتى تنفد آخر قطراتها!

تُظلم السماء وقبل أن يرتد إليك طرفك يظهر القمر، وخلفهُ هلالان.. نخرج جميعًا خارج منازلنا باتجاه البحيرة، مارين على أرض الشوكولاتة الصلبة.. نجلس على المقاعد.. تأتي الألوان لتزور أخاها الفوشيا.. تسألني ابنتي أن أحكي لها كيف نجا الفوشيا من دخوله قوس قزح.

– احكي لي يا ماما حدوتة عمو الفوشيا!

أربِّت دوائرها القرمزية المضيئة وأقول:

” كان ياما كان.. كان فيه زمان زُحليقة كبيرة قوي في أرضنا ماحدش عارف نهايتها فين.. كان دايمًا الألوان بتتجمع حواليها

كل الألوان.. الأحمر، البرتقاني، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، الفوشيا، البنفسجي.. عشان يتزحلقوا عليها لكن باباهم “الأبيض” كان دايمًا بيمنعهم إنهم يقربوا ناحيتها، لكنهم ماسمعهوش الكلام وراحوا يتزحلقوا -إلا الفوشيا اللي كان بيسمع كلام باباه الأبيض- جريوا، اتزحلقوا، وفجأة اختفوا.. باباهم اتجنّن.. فضل ماشي على الأرض الشوكولاتة يدوَّر عليهم لحد ما صحينا يوم ما لقيناهوش هو كمان.. اليوم ده من السنة نزلت عندنا حاجة غريبة اسمها مطر.. ودي عبارة عن حبّات عملاقة جدًا.. بتنزل من السما.

وبعد ما تختفي هم بيجوا يزورونا.. وكل سنة زي النهارده أول ما الحبّات دي بتنزل، تحضر بعدها الألوان يجوا يزوروا أخوهم الفوشيا ويتنططوا حواليه همّ والسمك الملون اللي بيطير.. ومن يومها والفوشيا ضحكة متدارية ماتظهرش إلا في وجود بقية الألوان.. وتوتة توتة خلصت الحدوتة.

– عشان كده يا ماما أنا عُمري ما هضيع أبدًا، عشان أنا بسمع كلامِك!

أبتسم وأحتضنها.. وأنا أستمع لنغمات الموسيقى المتقافزة على سطح البحيرة.

في نهاية اليوم تودِّعنا الألوان، وتودِّع الفوشيا..

يجلس الفوشيا حزينًا.. يبدِّل ملابس العيد وينتظر الشمس لتدفئ قهوته.

رانا عمر

Comments

التعليقات

أظهر المزيد

مقالات مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى