اللهم صدفة كـ”ساق البامبو”
هناك أمور تدخل حياتنا بمحض الصدفة، وفجأة نكتشف أنها أكبر سبب لتحقيق سعادتنا، كحب غير محسوب له يغافلنا فيحيينا، أو طفل غير مرغوب في قدومه، يغدو كل الحياة، هكذا كانت “ساق البامبو” تأشيرة دخول السيناريست رامي عبد الرازق عالم كتابة السيناريو من أوسع أبوابه.
بينما نجلس في أحد مقاهي القاهرة، يشكو لي صديقي الناقد الفني “وقتها” ضيقه بسبب تأجيل تحويل رواية “نادي السيارات” لمسلسل درامي لرمضان 2017، بدلًا من الموسم المُنقضي منذ أيام، والذي كان يقوم على كتابة السيناريو الخاص به، فقد تأجّل حلمه حولًا كاملًا على تحقيقه، كان شديد الحماس لتلك التجربة، والتي ينتظرها منذ سنوات، لم أكن أدرك أن في التأجيل خيرًا، ولكني واسيته بتلك الكلمات المعهودة “لا تحزن.. لعله خيرا”.
في لقاءٍ آخر، تطرقنا بالحديث للنميمة على بعض الرفاق، فكان جزءًا منها من نصيب الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، والذي طلب من رامي كتابة سيناريو للرواية الخليجية “ساق البامبو”، الحاصلة على جائزة البوكر، بعد أن رشحه لصناع العمل، إيمانًا منه بموهبته، ورغم عدم تحمس رامي للأمر، فإنه لم يتمكن من رفض طلب أستاذه، فوافق على كتابة سيناريو العمل.
يدور مسلسل “ساق البامبو” حول الشاب “عيسى”، الذي كان ثمرة زواج شاب كويتي، بخادمته الفليبينية، رغم الفوارق الطبقية في مجتمع أبيه، فتحكم الجدة “غنيمة” بطرده ووالدته من الكويت، وبعد قضاء 18 عاما في الفلبين، يعود الشاب إلى بيت أبيه، الغائب منذ الغزو العراقي للكويت، وهناك يلتقي أقارب، يحبه بعضهم، وينبذه البعض الأكبر، كساق البامبو التي زرعها في غرفته، والتي تحاول أن تضرب بجذورها في أرض جديدة، يتقبل البعض تربتها، وينبذها البعض الآخر، يحاول عيسى تثبيت ساقه في أرض أبيه، مقاومًا رياح التقاليد والطبقية والعرقية.
بمجرد عرض المسلسل على عدد من الفضائيات في رمضان، لاقى إقبالا جماهيريا كبيرا، خصوصا في دول الخليج، وسرعان ما أصبح المسلسل الخليجي الأكثر مشاهدة، عشرات النقاد المصريين والعرب يتحدثون عنه، عشرات الصحف تكتب عن العمل باهتمام كبير، نجاح هائل لم يتوقعه كاتب السيناريو نفسه، بعد أكثر من عشر سنوات في مجال النقد الفني، والذي منحه عبد الرازق حبًا وتفانيًا لا يستهان بهم، يجلس اليوم أمام الكاميرات ويتحدث للصحف، كسيناريست وليس كناقد فني فقط، وهو ما يعتبره مقدمة حكايته، التي انتظرها طويلًا، لم تكن ترتيبات رامي بتلك الدقة، ورغم ذكائه الذي لا يمكن نكرانه، فإن الذكاء وحده لم يكن ليصنع كل هذا النجاح، هذا ما يحدث عندما نترك أمورنا بين يدي الله، ليفاجئنا بتدابير وترتيبات محكمة، تعجز أفكار البشر عن تفسيرها.
فاللهم صدفة كـ “ساق البامبو”.
اقرأ أيضًا: